إسرائيل بعد غزة.. عزلة وتآكل أم كعكة تطبيع جديدة؟
فور توقّف أصوات المدافع والصواريخ والرشاشات بعد 15 شهرا من الدمار والإبادة في غزة، اشتعلت نار المواجهة بين أصحاب آراء متناقضة حول مآل الأوضاع بعد هذه الحرب المدمّرة.
فبين إصرار البعض على تحقيق القضية الفلسطينية لنصر استراتيجي على الاحتلال الإسرائيلي، وتشديد آخرين على أن الاحتلال تمكّن من تدمير غزّة بالكامل وأضعف المقاومة، يأتي معطى تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية لولاية ثانية، ليعقّد المعادلة.
حمودي: تجميد التطبيع
يرى الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية، إسماعيل حمودي، أن نتائج حرب ما بعد 7 أكتوبر 2023، وإن لم تكتمل بعد، “إلا أنها واضحة أكثر على الصعيد الجيوسياسي أكثر منه على صعيد القضية الفلسطينية نفسها، أي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
ويعتبر حمودي أن من نتائج هذه الحرب، تجميد مسار التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، “وهو المسار الذي استهدف دمج إسرائيل في المنطقة، دون المرور عبر تسوية القضية الفلسطينية”.
وبعد تذكيره بكون هذا التجميد كان الهدف الأول الذي طاف بأذهان من خططوا وصنعوا أحداث 7 أكتوبر من قيادات المقاومة الفلسطينية، أي منع أي تسوية إقليمية بين العرب وإسرائيل دون تسوية نهائية للقضية الفلسطينية… يخلص حمودي إلي أن “هذه الرسالة باتت واضحة ومؤكدة، وربما حققت جل أهدافها”.
كرين: تطبيع وشيك مع السعودية
بالمقابل، يرى مصطفى كرين، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية آسيا الشرق، أن ما سيتلو وقف إطلاق النار في غزة، بعد انهيار النظام السوري ومقتل حسن نصر الله في لبنان، هو اتفاق التطبيع بين الرياض وتل أبيب.
ويوضح كرين أن كل ما حدث لم يكن سوى مقدمة لذلك، “من أجل رفع الحرج عن السعودية، باعتبارها عراب النظام العربي الحالي، حتى تتمكن من التوقيع على الاتفاق وهي في وضع سياسي ودبلوماسي وعسكري مريح”.
ويذهب كرين إلى أن رد الفعل العربي على الحرب الإسرائيلية على غزة كان غير مفهوم لدى الشارع العربي والإسلامي وحتى الإنساني، بفعل هيمنة الرياض على القرار السياسي العربي الرسمي.
“ما يسمى بالإصلاحات السياسية التي دشنتها السعودية منذ تسلم ولي العهد محمد بن سلمان للسلطة في الرياض، إنما يهدف لتهيئة الساحة الداخلية السعودية لتقبل الوجه الجديد للسعودية بعد عملية التطبيع الحتمية هذه، استجابة للضغوط الأمريكية وثمنا للحماية من التهديد الإيراني”، يقول مصطفى كرين.
خالص: تبعات اقتصادية وخيمة على إسرائيل
ويرى الخبير الاقتصادي عادل خالص، أن الغايات الحقيقية للحروب، مثل تلك التي تخوضها إسرائيل ضد قطاع غزة، غالبًا ما تتجاوز الأهداف العسكرية المباشرة. ويضيف خالص أن هذه الحروب تتعلق بإعادة رسم الحدود، واستغلال المزايا الديموغرافية، وتأكيد الهيمنة الإقليمية.
ويعتبر خالص أن إسرائيل، التي تطمح لأن تكون قوة اقتصادية رائدة على المستوى العالمي، لا يمكنها تجاهل التداعيات العميقة لهذه الحرب، “إذ أن حالة عدم الاستقرار السياسي وتزايد انعدام الأمن الناتجة عن الأزمة الحالية تُعقّد بشكل كبير عملية التعافي الاقتصادي”.
ووفقا لتوقعات الخبراء، قد تستغرق استعادة الديناميكية الاقتصادية اللازمة لعودة البلاد إلى مستويات النمو السابقة عقدًا كاملًا أو حتى أكثر. لذا، يضيف خالص، من الضروري استعراض هذه الخسائر بشكل دقيق لتسليط الضوء على تأثيراتها العميقة على مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي.
وينتهي الخبير الاقتصادي إلى أن الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها إسرائيل بعد 7 أكتوبر عميقة ولا يمكن تجاهلها، “خاصة في ظل السياق السياسي المتقلب وزيادة انعدام الأمن. هذه الخسائر، سواء كانت تتعلق بالكلفة المباشرة للحرب أو بتأثيراتها على القطاعات الإنتاجية الرئيسية، ستترك آثارًا طويلة الأمد”.
ابن الرضى: انتقال المعركة إلى الضفة والقدس
أما الكاتب مصطفى ابن الرضي، فقال في عموده الأسبوعي المنشور ضمن العدد الأخير من مجلة “لسان المغرب“، أن المحتلين خضعوا لاتفاق وقف إطلاق النار “لأنهم يئسوا من استعادة أسراهم بالنار مثلما توعّدوا، ولأنهم يئسوا من تدمير المقاومة التي يخلف فيها مقاومٌ كلّ يومٍ شهيداً، قدماً على قدمٍ، كتفاً بكتف، حتى لا يسقط السلاح”.
وأضاف ابن الرضي أن دولة الاحتلال غرقت في ما أسماه “وحْلِ جرائمها ومحاكماتها، وعزلة تتنامى حتى يتحرّر العالم من قيْدِ معاداة السامية، تلك التهمة المفزعة”، ليخلص إلي أن المحتلين يبلعون اتفاق غزة بصعوبة، “وهم يرون معالمً نكسةٍ متراكمةٍ آتية، وألفَ سِنوار ينبعث من رماد غزة”.
وتوقّع مصطفى ابن الرضي، بعد نهاية الحرب في غزة، انتقال المحتلين إلى الضفة والقدس “جارين انكسارهم، لتحصيل انتصار، بسرقةِ الأرض والتهجير، وتوسيع الاستيطان، وتفتيت المفتّت في الكيان الفلسطيني، مدعومين بترامب الذي ما صرخ في وجه نتنياهو لتوقيع اتفاق إلا لينقذ إسرائيل من وحْل غزة”.
وتوقّع ابن الرضي أن تكون المعركة الأقسى في الضفة لأجل الأقصى. “في الضفة عنوان رئيس لأهداف الاحتلال، وعلى ظهرها سيحاولون جباية ثمن وقف الحرب. وآسفي أن عرباً (كلهم إسرائيليون) لا يرون ظُلماً، ولا مقاومةَ لظلمٍ، ولا انتصارا في معركة على ظالم. فقط سجناء في أقفاص تسمى أوطاناً مسلوبة الإرادة، غارقة في الاستبدادات، ولا تبرع إلا في التواطؤ والكيد، والقمع. في غزة نصرٌ، وكثير منّا غارقٌ في الهزيمة ويتعالم”.