story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

إحتراف أم “قصارة” مربِحة!

ص ص

مشهد لاعبين مغاربة سابقين مشهورين في البطولة الوطنية اعتزلوا مؤخرا، وهم بجانب خط ملعب تداريب خاص بالفئات الصغرى داخل “أكاديمية” خاصة لكرة القدم، يلبسون سراويل الجينز ويلبسون النظارات الشمسية، ويتحدثون بخيلاء النجوم مع بعضهم على بعد مسافة قصيرة من الأطفال المنهمكين في مباراة بينهم، قيل إنهم مؤطرون جدد أو مستشارين في التكوين داخل هذا المشروع الخصوصي.. مشهد كان يجيب عن كثير من اختلالات منظومتنا الكروية وعن كيفية نظرتنا للإحتراف وأساسه الأول الذي هو صناعة اللاعبين.

في العطلة المدرسية الأخيرة في إسبانيا، تلقيت دعوة من الجامعة الكطلانية لكرة القدم لحضور دوري وطني يضم فرقا لأكاديميات ومراكز تكوين من مختلف مناطق إسبانيا، كانت خاصة بالفئات العمرية ما بين 10 سنوات و14سنة.. وطبعا ما شاهدته هناك طيلة أربعة أيام لازلت أحلل تفاصيله وأدقق في كل ما رأيت من برمجة وتواصل ودقة في الأخذ بالتفاصيل الصغيرة لدوري ضخم يجمع أسماء أندية عريقة أنجبت ولازالت مئات النجوم والكفاءات الكروية وصدرتها لمختلف البطولات الأوربية القوية.

الدوري له موعد سنوي خلال العطلة المدرسية الربيعية التي تصادف أعياد الفصح في التقويم المسيحي، وله أزيد من 30 سنة من الوجود في كطالونيا وتنخرط في تنظيمه مجموعة من المدن والبلدات بالتناوب، وأول ما يثير انتباهك عند الوصول إلى الملعب الذي سيحتضن الدوري، هو التعزيزات اللوجيستيكية التي توفرها بلدية المدينة المحتضنة للدوري، من منصات مؤقتة وكراسي وممرات حديدية ومراحيض بلاستيكية، وقاعة الندوات مجهزة بأحدث الوسائل التكنولوجية للشرح والتواصل.. هو في الأصل ملعب هامشي لتداريب الفئات الصغرى يصنعون منه تحفة تنظيمية.

موقف السيارات خلف الملعب، تصطف فيه شاحنات النقل المباشر الخاصة بالقنوات التلفزيونية الشهيرة، وحافلات أكاديميات الأندية المشاركة.. قد تعتقد من خلال فخامتها أن الفريق الأول للبارصا وريال مدريد وفياريال وأتليتيكو مدريد وإسبانيول برشلونة قد حلوا هنا ليلعبوا الدوري، لكن في الحقيقة هي فقط لأطفال صغار يشكلون الفئات العمرية لأكاديميات هذه الأندية، الذين عندما تراهم ينزلون من هذه الحافلات وكيف يتصرفون بنضج مع الجمهور ووسائل الإعلام وكيف يقومون بالحركات التسخينية وكيف يحترمون طقوس المباريات وينضبطون لتعليمات مؤطريهم، تظهر لك نتائج عمل كبير وجهد تربوي علمي جبار تقوم به أطر متخصصة في البيداغوجيا وفي فن التلقين والتعامل مع هؤلاء الأطفال المرشحين لكي يصبحوا نجوما عالميين يصنعون منتوجا كرويا تدور في فلكه مبالغ مالية فلكية ويحظى بمتابعة الملايين من الناس عبر العالم.

أعوذ إلى مشهد لاعبينا السابقين على خط التماس في ملعب الأطفال الصغار وهم مزهوون بوقفتهم بعدما مُنحت لهم صفة “مؤطرين” و”مستشارين في التكوين”، ومنهم لننتقل إلى ما يجري في قواعد التأطير الكروي في المغرب على صعيد الأندية، التي قيل إنها “برو”، رغم أنه ليس بين هذه العقليات الهاوية وبين الإحتراف سوى الخير والإحسان.. فطالما نعتقد أن أي “كوايري” سابق يصلح مؤطرا للفئات الصغرى، فهو “التخربيق” بعينه، وطالما أن أنديتنا تتعامل مع لاعبيها القدامى بالمنطق الإحساني في تكليفهم بتأطير أطفالها، يعني “دبر عليه” بمنصب شغل يقيه الفقر المدقع، أو يتم إسكات لاعب سابق معروف بانحرافه الخلقي وتهديداته العنيفة، بتعيينه مدربا لصغار أو فتيان النادي.. فلا مجال هنا للحديث عن الإحتراف أو تطوير المنتوج الكروي أو صناعة اللاعبين من مستوى عال.

تأطير الفئات الصغرى في كرة القدم الحديثة هي عملية معقدة جدا وربما هي مهمة أصعب حتى من تدريب فريق الكبار حسب الكثير من الخبراء.. وهي تتطلب من المؤطر أن يتوفر على مستوى دراسي عالي وشخصية سوية من الجانب الخلقي والنفسي، وأن يكون مربيا بالفطرة له شخصية محبة للأطفال، وأيضا أن يتوفر على آخر مستجدات تقنيات التلقين والبيداغوجيا.. باختصار واضح.. ليس أي لاعب “علق الكوداس” يصلح أن يكون مؤطرا ومربيا في كرة القدم.

هذا لمن يريد أن يتوفر على سياسة تكوين فعالة وناجحة، ينتج بها لاعبين من مستوى عال، يضمن بهم منتوجا كرويا حقيقيا، ويزود المنتخبات الوطنية بأجود اللاعبين، وليس لمن أراد فقط الإستمرار في “القصارة” الكروية المربحة.