story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

أغنياء في غرفة الصدى

ص ص

شاءت الصدفة ونحن نحاول قراءة طالع السنة الجديدة من خلال ملف خاص لمجلة “لسان المغرب”، استطلعنا فيه آراء مجموعة متنوعة من الشخصيات التي نعتبر أنها تسمح بقياس المزاج العام للمغاربة؛ أن تخصص الزميلة “ليكونوميست” المتخصصة في شؤون الاقتصاد، عدد رأس السنة تمرين مماثل، لكنها حصرته بالكامل لمن وصفتهم بـ”أصحاب القرار”، وهو وصف دقيق لأن الأمر يتعلق بكوكبة من صناع القرار الحقيقيين في المغرب، من رموز الثروة والمال والأعمال، إلى جانب بعض الوزراء.
المثير في الأمر وأنت تتصفح هذا العدد من الجريدة اليومية العريقة، أنك تصادف مزاجا مختلفا بشكل كلي، بل مناقض، لما تنبئك به تصريحات ملفنا، والتي أدلى بها أساتذة جامعيون من حقول علم السياسة والعلوم الإنسانية، وشخصيات سياسية مخضرمة وحقوقيون فاعلون في الميدان ونجوم في الرياضة…
عندنا كانت النبرة متشائمة للغاية وكاد سؤالنا حول الآمال التي يحملها المصرحون لسنة 2024 يضيع منا وسط الكم الكبير من الكوابيس والمخاوف التي عبّروا عنها.
تناقض شبه مطلق في مزاجي الفئتين المستجوبتين على سبيل الصدفة، في منبرين صحافيين مختلفين. وأكبر معضلتين طرحهما المصرحون في ملف “لسان المغرب”، أي كل من المجزرة البشعة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وكارثة نفاذ المياه الجوفية والسطحية من أرض المغرب، غابتا بشكل شبه تام في تصريحات صناع القرار التي نقلتها “ليكونوميست”، إلا بين سطور بعض العبارات الفضفاضة مثل “التوترات الجيو-استراتيجية” و”التحديات المناخية”.
تعالوا نطل على بعض الأمثلة من تعبيرات “صناع القرار” عن مشاعرهم تجاه السنة الجديدة: الملياردير عثمان بنجلون، صاحب المؤسسة البنكية “بنك أوف أفريكا” والرجل الذي يمكن تصنيفه بكل يقين ضمن أكبر عشر أغنياء في المغرب (بعض المصادر تصنفه ثاني أغنى رجل في المغرب لكننا نحتاط لكوننا لا نعرف حقا جميع أغنياء البلاد)، كتب فقرة عنوانها الإيجابية والتفاؤل بما سيحمله النمو الاقتصادي في السنة المقبلة مع إشارته لورش المشاركة في تنظيم كأس العالم 2030، وكشف مباشرة عن سبب تفاؤله، والمتمثل في حاجة البلاد إلى تمويلات المؤسسات البنكية كمثل مؤسسته…
رئيس الهيئة الممثلة لرجال ونساء الأعمال المقربين إلى قلب السلطة، السيد شكيب لعلج، بدا أكثر تفاؤلا وهو يعتبر أن 2023 نفسها شهدت بداية “تحرير الطاقات” مستشهدا بتنظيم المغرب الاجتماعات السنوية لكل من البنك وصندوق النقد الدوليين، وعبّر عن ابتهاجه بحصول المغرب على فرصة المشاركة في تنظيم مونديال 2030، وحتى عندما أراد ان يقول شيئا عن الصعوبات التي تحملها 2024 استعمل عبارة فرنسية ناعمة تفيد أن هناك الكثير مما يجب القيام به “nous avons du pain sur la planche”.
فيما بدا محمد كريم منير، الرئيس المدير العام لمجموعة البنك الشعبي، مفرطا في التفاؤل، وطارق الصنهاجي، المدير العام لبورصة الدار البيضاء مفعما بالحماس ليقينه من توفر سوق البورصة المغربية على السيولة الكافية لتمويل الاقتصاد، والوزير السابق والرئيس المدير العام لمجموعة “موتانديس”، عادل الدويري، جازما بكون موجة التضخم أصبحت خلف ظهورنا (لا نعرف تحديدا على من يعود ضمير المتكلم هنا)…
ماذا يعني كل ذلك؟
إنه يعني بكل بساطة أن هناك مغربان متوازيان لا يلتقيان.
مغرب تعبر نخبه السياسية والأكاديمية والحقوقية عن تشاؤم كبير يكاد يوصلها إلى اليأس، ومغرب آخر لا يتقاسم أيا من انشغالات المغرب الأول ولا همومه، سواء منها المادية أو المعنوية.
بالنسبة لنخبة المجتمع هناك جرس إنذار ينبغي دقه بكل قوة واستعجال، بينما “صناع القرار” ينامون في العسل ويحصون الأرباح ويراكمون الغنائم. حتى الرئيس المدير العام للخطوط الملكية الجوية عبّر عن سعادته بكون سنة 2023 عرفت تحقيق أفضل النتائج المالية للشركة في تاريخها على الإطلاق، وكأننا لم نسمع خلال السنة نفسها صرخات مغاربة العالم وهي تستنجد من لهيب أسعار التذاكر وهي تحلم بزيارة أرض الوطن، دون ان يحرّك صناع القرار ساكنا لمساعدتهم.
هكذا هو الوضع الذي نفتتح به عام 2024 بكل بساطة.
الصوت الوحيد (تقريبا) من بين “صناع القرار” الذي كانت نبرته متشائمة كان هو عادل بناني، رئيس جمعية مستوردي السيارات في المغرب. هذا الأخير هو الذي ركز حديثه على الوضع السيء الذي عاشه نشاطه الاقتصادي في 2023، ولم يبد أي تفاؤل تجاه المستقبل، بل طالب بتحفيزات واهتمام أكبر بقطاع السيارات لإخراجه من ركوضه.
طبيعي أن تكون مبيعات السيارات في تراجع لأن الطبقة المتوسطة هي زبونها الأول، وهي التي تعيش تبعات التضخم الذي يعتبر السيد الدويري أن خلف(نا).
هناك طبقة عازلة سميكة بين طبقتين اثنتين بات المغاربة يتوزعون بينهما بشكل واضح: طبقة فاحشة الغنى والثراء، تنغلق داخل غرفة صدى محكمة الاغلاق، وتجمع بين المال والسلطة لتحمي مصالحها وتطورها بالحق والباطل، وهي أقلية صغيرة ومنفصلة ثقافيا ولغويا عن السياق الوطني (وآلا كيف لم نسمع منها ولو نصف كلمة عن مجازر غزة التي تمنع فئات واسعة من المغاربة من النوم)؛ وفئة تضم باقي المغاربة الذين لم يعد فيهم المتوسط ولا البورجوازي الصغير، بل بلغ بهم الأمر درجة الخوف من العجز عن إرواء حلوقهم بشربة ماء.
كل سنة وصناع قرارنا متفائلون.