أخنوش ووهبي ولشكر و”القتل السياسي” في جلسة محاكمة حنان بكور
شهدت جلسة جديدة ضمن محاكمة الصحافية حنان بكور بناء على شكاية من حزب التجمع الوطني للأحرار، فصولا عاصفة اليوم الاثنين 15 يناير 2024، أثيرت خلالها أسماء كل من رئيس الحكومة عزيز أخنوش٫ ووزير العدل عبد اللطيف وهبي٫ والكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر، فيما تمحور الجدل حول “القتل السياسي” و”زف” امباركة بوعيدة نحو رئاسة جهة كلميم واد نون.
وبعد الاستماع إلى كل من الصحافية وممثل حزب التجمع الوطني للأحرار، أجلت المحكمة الابتدائية بسلا، أطوار المحاكمة التي وصلت مرحلة مرافعات الدفاع إلى غاية 22 من يناير الجاري.
بكور: أطلب الإنصاف
الصحافية حنان بكور التي سبق أن امتنعت عن الكلام أمام الضابطة القضائية، تجاوبت مع أسئلة رئيسة الجلسة، موضحة أنها لم تتخلف قط عن أية جلسة “لأنني أعتبر أنني متضررة وأطلب الإنصاف من المحكمة”. وشددت بكور على أن تدويناتها موضوع شكاية حزب أخنوش، “لم تتحدث أصلا عن حزب التجمع الوطني للأحرار وهي ما زالت منشورة في حائطي، والصورة التي نشرت للمسؤولة التي انتخبت رئيسة لمجلس جهة كلميم واد نون، وآثارت كل هذا الجدل٫ التقطت لها في نشاط عمومي بصفتها الرسمية ولم أنشر أبدا ما يتعلق بحياتها الخاصة”. واستغربت بكور تحريك المتابعة في حقها بعد نشرها صورة متداولة لبوعيدة التقطت لها في نشاط رسمي، متسائلة “هل بات علينا أن نطرق أبواب المسؤولين واستئذانهم قبل نشر صورهم؟”.
دفاع الصحافية حاصر ممثل حزب أخنوش في هذا الملف، وهو مدير المقر المركزي يونس ابشر، بأسئلة دقيقة حول ما ورد في الشكاية التي قدمها الحزب على إثر التدوينات التي تفاعلت فيها مع الوفاة المأساوية للراحل عبد الوهاب بلفقيه في سياق صراعات ما بعد الانتخابات الجهوية التي جرت في 8 شتنبر 2021، وكان يسعى من خلالها للحصول على مقعد رئاسة جهة كلميم واد نون، قبل أن يفارق الحياة عشية موعد التصويت على الرئيس، منتحرا بسلاح ناري كما أعلنت النيابة العامة حينها، ويتم التصويت على القيادية في حزب التجمع الوطني للأحرار امباركة بوعيدة، رئيسة للمجلس.
“هي من هي”
لحظات قوية شهدتها جلسة اليوم، بدءا مما ورد على لسان وكيل الملك في بداية الجلسة في أطار تعقيبه على الدفوعات الشكلية التي تقدم بها دفاع الصحافية في جلسة سابقة، من اعتراض على مطلب استدعاء امباركة بوعيدة، معتبرا أن الإصرار على هذا المطلب “وهي من هي” و”تعرفون صفتها”، يعتبر تسييسا للملف، علما أن قرار المتابعة الذي اتخذته النيابة العامة جاء مرتبطا بحياة امباركة بوعيدة الخاصة.
الصبغة السياسية للمحاكمة ثبتت خلال مرحلة الاستماع إلى ممثل حزب الأحرار، حيث أكد من خلال العديد من الأجوبة أن الأمر يتعلّق في الأصل باعتبار الحزب أنه تضرر من تدوينات حنان بكور، مؤكدا أن الضرر المفترض بشخص امباركة بوعيدة متفرع عن هذا الضرر الذي شعر به الحزب. وعندما أصرّ دفاع الصحافية على معرفة العبارات التي تجسد فيها هذا الضرر، أتى ممثل حزب الحمامة على ذكر عبارات مثل “قتل السياسة”، و”السياسة بنت كلب”، و “وهي تزف بكل أريحية…” التي أشارت بها الصحافية إلى وصول امباركة بوعيدة إلى رئاسة الجهة.
ووجه دفاع بكور سؤالا إلى ممثل الحزب حول ما إذا كان قد هنأ بوعيدة بعد انتخابها، فرد بالإيجاب، ليخلص الدفاع إلى أنها “زفت بالفعل” بما أن الحدث استوجب التهنئة.
اجتماع مزعوم
وفي محاولة لسد ثغرة الغياب التام لامباركة بوعيدة عن هذا الملف، حيث لم تتقدم بأية شكاية ولم يتم الاستماع إليها في أي من مراحل الملف، زعم ممثل حزب الأحرار ودفاعه أن بوعيدة حضرت اجتماعا وعبرت عن رغبتها في تقديم شكاية ضد الصحافية حنان بكور، نافيا في الوقت نفسه وجود أي محضر أو وثيقة تثبت رغبة امباركة بوعيدة هذه. وعجز ممثل حزب الأحرار عن تقديم رواية متماسكة حول الاجتماع الذي زعم أنه شهد اتخاذ قرار تقديم شكاية ضد حنان بكور.
دفاع حنان بكود حاصر ممثل حزب التجمع الوطني للأحرار بأسئلة دقيقة، حيث طالبه بتقديم ما يفيد ارتكاب الصحافية المتابعة لكل جريمة من الجرائم التي وردت في الشكاية، مثل التبليغ عن جريمة خيالية والإساءة والمساس بالحياة الخاصة والتحريض على العنف والكراهية، واقتصرت أجوبة ممثل حزب الحمامة في كل مرة على ترديد عبارة مفادها أن العلة توجد في الربط بين الحزب وبين واقعة انتحار بلفقيه. وعجز مدير المقر المركزي للحزب عن الجواب عندما طالبه دفاع الصحافية بالإشارة إلى المقطع الذي تشير فيه تدوينتها إلى الحزب باسمه، مكتفيا بالقول ٌن صورة امباركة بوعيدة التي رافقت التدوينة هي المقصودة في شكاية الحزب.
وفي الوقت الذي كانت حنان بكور قد نشرت سلسلة من التدوينات تفاعلا مع الواقعة، وتحدثت عن الحزب الذي كان الراحل ينتمي إليه، أي حزب الأصالة والمعاصرة، ونشرت صورة للراحل بلفقيه رفقة الأمين العام لهذا الحزب، وزير العدل الحالي عبد اللطيف وهبي، كما تطرقت إلى الانتماء السياسي السابق للراحل، حيث كان عضوا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تساءل دفاع بكور أثناء الاستماع إلى ممثل الحزب ما إذا كان كل من وهبي وإدريس لشكر ينتميان إلى حزب الأحرار، فرد ممثل حزب الحمامة بالقول: “هؤلاء لا يعنوننا”.
جدل المتابعة بالقانون الجنائي
اعتبرت النيابة العامة، في جلسة اليوم أن بكور كتبت بشكل شخصي في فيسبوك وليس كصحافية، مضيفة أن قانون الصحافة يتعلق بمطبوع دوري مكتوب أو صحيفة إلكترونية، ومدافعة عما قالت إنه تمييز بين ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي وما ينشر في الصحافة “لأن ما ينشر في الصحافة فيه ناشرون يتحملون المسؤولية”، مستشهدة في ذلك بتصريح نسبته إلى من وصفتها ب”نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية” للتمييز بين ما ينشر في منبر صحافي وما ينشر في مكان آخر.
من جانبه، قال الإدريسي، إن ما ورد على لسان النيابة العامة لم يجب عما تقدمت به هيئة الدفاع عن بكور، ولا يمكن أن يتم الاستشهاد بنائبة رئيس النقابة في تصريح صحافي، “وهو نفسه كلام كتب في فيسبوك، وفي الأصل كلام قاله وزير العدل أثناء تقديم مشروع قانون، وبالتالي ليس قانونا”. وشدد الإدريسي على أن قانون الصحافة والنشر جاء للقطع مع متابعة الصحافيين بالقانون الجنائي، ويشمل كل الناشرين أي كل ما ينشر ولو كان مجرد كلام تم التفوه به.
هيئات دولية تنتقد
انطلقت محاكمة حنان بكور في المحكمة الابتدائية في سلا، إثر شكوى تقدم بها حزب التجمع الوطني للأحرار في شتنبر 2021، وقعها رئيسه الذي يقود الحكومة، عزيز أخنوش، وتضمنت تهمة “توزيع وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص باستعمال الأنظمة المعلوماتية”، وذلك بسبب منشور لها على “فيسبوك”. والتمس حزب رئيس الحكومة، متابعة حنان بكور في حالة اعتقال، وإحالتها على المحكمة طبقا للقانون.
ومنذ بدايتها، كانت هذه المحاكمة محط انتقادات المنظمات الحقوقية والمهنية للصحفيين، منها منظمة العفو الدولية “أمنيستي” التي انتقدت هذه المتابعة منذ بدايتها. وقالت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، هبة مرايف: “إنه لأمر صادم وثقيل الوطأة وغير منطقي أن تواجه صحافية تهماً جنائية بسبب منشور لها على فيسبوك انتقدت فيه الحزب السياسي الرئيسي في المغرب؛ إذ أن حنان لها الحق في آرائها، حتى إذا اعترض السياسيون عليها”. وطالبت المنظمة، ومقرها لندن، بإلغاء هذه التهم ضد بكور على الفور، واصفة إياها بـ”الملفقة”، كما طالبت بـ”إسقاط القضية المرفوعة ضدها”.
وذكر بيان المنظمة بأن “أي قيد يفرض على حرية التعبير يجب أن ينص عليه قانون واضح ودقيق، وأن يكون ضروريا ومتناسبا لحماية هدف مشروع، مثل حماية الأمن الوطني، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الأخلاق العامة”. وأضاف أن “القيود الفضفاضة وذات الصياغات المبهمة التي تفرض على حرية التعبير، مثل الوقائع الكاذبة، لا تلبي المعايير. فهي تقيد وأحياناً تُجرّم الأشكال المشروعة للتعبير التي يحميها القانون الوطني والدولي لحقوق الإنسان”.
نفس مواقف “أمنيستي” كانت قد عبرت عنها منظمة مراسلون بلا حدود خلال متابعتها لأطوار محاكمة حنان باكور على مدى أزيد من سنة، وقالت إن الصحافية المغربية بكور “تعرضت لشكوى من قبل حزب الوزير الأول عزيز أخنوش بسبب منشور على فايسبوك”، مستنكرة “للمضايقات التي تتعرض لها”.
وتمارس حنان بكور عملها كصحافية لما يفوق 17 سنة، تنقلت فيها بين مؤسسات صحافية مغربية عدة، بينها “أخبار اليوم” و”المساء”، وشغلت منصب رئيسة تحرير ومديرة نشر موقع “اليوم 24″، وتشغل حاليا منصب مديرة نشر موقع “صوت المغرب”.