story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

آلي سي وهبي آلي!

ص ص

حسنا فعل مهنيون في مجال الفندقة والسياحة، عندما أخرجوا ورقة التعليمات الأمنية، للرد على تصريحات وزير العدل في جلسة البرلمان الأخيرة ليوم الاثنين 20 ماي 2024، والتي قال فيها إن المؤسسات الفندقية لا تتوفّر على أي سند قانوني لمطالبة رجل وامرأة تقدموا إليها لحجز غرفة، بتقديم عقد الزواج كشرط مسبق لتمكينهما من الخدمة المطلوبة.
الوزير وهبي، حتى وهو يبدو كما لو يصرّف أعمال أيامه الأخيرة على رأس وزارة العدل، كما تردد كواليس الصالونات منذ أسابيع، يعرف جيدا ماذا يفعل وماذا يقول، وإن كان أسلوبه يبدو للبعض متنطعا.
الرجل يغرز في ظهر خصومه الايديولوجيين سهما جديدا في معركة الحريات الفردية. وهو من حيث يستنكر مطالبة المواطنين بعقد الزواج قبل الحصول على غرفة في فندق، يسعى إلى تحقيق اختراق جديد في موضوع العلاقات الرضائية، لأن فتح أبواب الفنادق أمام المغاربة دون تأكد من طبيعة علاقاتهم، لن يبقي معنى لتجريم العلاقات خارج إطار الزواج، أو تعقب المشتبه فيهم بارتكاب الخيانة الزوجية أو “الفساد”.
هذا دهاء سياسي ينبغي الاعتراف به للأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة. لكن مثل هذه المواضيع تستحق أكثر من اقتناص مثل هذه الفرص لتسجيل الأهداف على الخصوم. والتشريع للمجتمعات لا يمكن أن يتم بشكل متعسف ومفتقد للنقاش العمومي المفتوح الذي يحقق الإشراك ويفرز الإرادة الجماعية، للأغلبية إن لم يكن الإجماع ممكنا.
والاعتقاد الفكري بالحرية الشخصية لكل مواطن من مطلقات حقوقية أو فلسفية أو ايديوولجية، لا يصوّغ ممارسة الوصاية على مجتمع، صحيح أنه يمارس كل أنواع المحرمات والمحظورات، لكنه ما زال يعبّر عن رغبة جماعية في التنازل عن جزء من حرياته الفردية بالقانون.
وبمناسبة ذكر القانون، ما قاله عبد اللطيف وهبي أمام المشرّعين صحيح ودقيق من الناحية القانونية، ومن الجيّد أن نصادف بين الحين والآخر مسؤولين ووزراء لا يلوكون كلماتهم كثيرا ويقولون ما ينبغي قوله، لكن ردّ مهنيي السياحة كان ضروريا ومهما لأنه أكمل رسم اللوحة، وقال ما كان ينبغي أن يقال على لسان برلماني “زْعيم” مثل الوزير وهبي، لينبّه إلى أن القاعدة القانونية لا تكون دائما نافدة، وكثيرا ما تتجاوزها قواعد اجتماعية تصدر ويصادق عليها دون علم البرلمان، وتكون لها الكلمة العليا في الواقع.
لقد أعجبت شخصيا بالتعبير الذي نقلته صحيفة “هسبريس” عن مسؤولين في هيئات مهنية لأرباب الفنادق، الذي يقول إن “ما قاله الوزير ليس هو ما يتم العمل به”، وإن المطالبة بعقد الزواج هو “أمر ضروري ومفروض من قبل الأمن والدرك الملكي، رغم عدم وجود وثيقة مكتوبة تنص على ذلك”.
لكن كلام مسؤولي المؤسسات الفندقية يصبح مردودا عليه حين يطالبون الوزير بوثيقة مكتوبة وعدم الاكتفاء بتصريحات شفوية، حتى يطبقوا كلامه، لأنهم وبكل بساطة لم يجدوا ما يكفي من شجاعة لمطالبة من قالوا، نحن لا علم لنا بل هم من يصرّح بذلك الآن، بأنهم أمنيون ودركيون يفرضون عليهم شروطا غير منصوص عليها في القانون.
ولا أتفق مع ما قاله أحد هؤلاء المهنيين من كون إعفائهم من مطالبة الزبناء بمثل هذه الوثائق سيساعدهم لأنه سيقلل من مدة انتظار الزبون قبل حصوله على مفتاح غرفته، لأننا نعلم جميعا كيف تستفيد الفنادق من هذا الشرط-العقبة أمام حصول رجل وامرأة على غرفة مشتركة، بحيث يضطرون إلى حجز غرفتين ثم استعمال إحداهما فقط، وبالتالي يستفيد الفندق من بيع كمية مضاعفة من الحجوزات.
لكن باقي التفاصيل التي قدّمها المهنيون توفّر معطيات ثمينة قلّما يجرؤ المعنيون بها على الجهر بها.
اعتبر أحد هؤلاء المهنيين المصرّحين لصحيفة “هسبريس”، أن تصريحات الوزير سبب لمتاعب جديدة بالنسبة إليه، لأنها تجعله في مواجهة المواطنين، وقال إن “الوزير لم يفكر أبدا في وضع المهنيين”.
لنلاحظ كيف يصبح المنطق مقلوبا يا سبحان الله: الوزير الذي تفوّه بما ينص عليه القانون مخطئ ويسبّب المشاكل، بينما الموظف الأمني أو الدركي، المفترض حسب زعم هؤلاء المهنيين، يمكنه أن يوجّه التعليمات الشفوية ويذهب دون أن يزعجه أحد!
يقول مسؤول عن تسيير إحدى المجموعات الفندقية، إن الموضوع يدبّْر بطريقة شفوية، والأمن يطلب فرض الإدلاء بعقد الزواج شفويا، “ووزير العدل نفى الأمر شفويا، ونحن من نظل في وضع مرتبك في مواجهة مع المواطنين”.
فكيف يقبل السيد المستثمر أو المسيّر لمؤسسة فندقية تطبيق أوامر إدارية غير منصوص عليها في القانون؟ ألا يعلم أنه يسقط تحت طائلة المتابعة القضائية في حال لجوء الزبون إلى المحكمة؟ هل سيسعفه ادعاء وجود تعليمات مفترضة من أمنيين أو دركيين لإخلاء سبيله وإعفائه من أية مسؤولية؟
هناك فهم مقلوب لقيمة وتراتبية القواعد القانونية والمسؤوليات في الذهنية العامة للمجتمع، ينبغي فتح النقاش حولها، لأن هذا المستثمر أو المشرف على تسيير مؤسسة فندقية، ينطلق من مسلّمة لديه مفادها أن تعليمات الموظف الأمني أو الدركي أهم وأسمى من القانون ومن تصريحات الوزير.
وهو فهم نابع من ثقافة مترسّبة حول “المخزن” الحقيقي في مقابل الممثلين في مسرحية الواجهة المؤسساتية والسياسية الذين لا يعتدّ بهم ولا قيمة لكلامهم.
الآن بات على كل من الوزير، ومن خلفه الحكومة، والبرلمان بأغلبيته ومعارضته، أن يخبرونا نحن عموم المواطنين المغاربة ما شرعية وجودهم، وما الداعي لإعادة انتخابهم وتنصيبهم والإنفاق عليهم من أموال ضرائبنا، بما أن هناك من يضع لنا القواعد ويتحكّم في مصائرنا بمجرد تعليمات شفوية؟
هل يستطيع وزير العدل ومعه الحكومة وأغلبيتها البرلمانية، أن يعودوا إلى الموضوع بعدما فجّروه بطريقة صنّاع ال”بوز” في المنصات الرقمية، ليوضحوا لنا كيف يتقرر مصير مواطن يريد أن يبيت ليلة في غرفة فندق، ويدفع مقابل ذلك من جيبه، بيد قواعد شفوية لا وجود لها في محاضر لجان البرلمان ولا أرشيف الجريدة الرسمية؟
هنا لم يعد الأمر مجرد “تقليعة” جديدة نشغل بها جمهور الشبكات الاجتماعية ونمضي إلى حال سبيلنا، بل أصبحنا أمام مساءلة مباشرة لمدى فعلية المنظومة القانونية والدستورية وسيادة القانون وجدوى وجود كل هذا البناء المؤسساتي الذي يفترض فيه تأطير الحياة العامة وتنظيمها.
على الحكومة التي قدّمت لنا ذلك الجواب الجريء على لسان وزيرها في العدل، أن تخبرنا كيف سترفع اللبس القائم وتضمن انضباط موظفيها في أسلاك الأمن، لنص ومنطوق القانون الذي لا يخوّل لهم مطالبة المؤسسات الفندقية بفرض إجراءات غير منصوص عليها في القانون.
وكما قيل في الميم المأثور في المنصات الرقمية ل”السي إبراهيم”، نقول للسيد وزير العدل بدورنا “آلي سي وهبي آلي!”.