story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

هل بدأت إسبانيا فعلا دورة سياسية جديدة؟

ص ص

حملت نتائج الانتخابات المحلية والجهوية التي عرفتها الجارة الشمالية إسبانيا نهاية ماي 2023، تحولات كبيرة بخصوص الحضور الانتخابي لمختلف الأحزاب الإسبانية، وأظهر الحزب الشعبي الإسباني أداء لافتا خارج معاقله التقليدية وبخاصة العاصمة مدريد، البعض سارع إلى عكس الانتخابات المحلية والجهوية على النتائج المرتقبة للانتخابات التشريعية التي دعا رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى إجرائها بعد قراره حل البرلمان، وبغض النظر عن الاحتمالات الممكنة بخصوص الانتخابات القادمة، يبقى من المهم الإنتباه إلى ما عبر عنه  زعيم المعارضة ورئيس الحزب الشعبي ألبرتو نونيز فيجو عندما قال في خطاب النصر بأن “إسبانيا بدأت دورة سياسية جديدة.. إنه انتصار لطريقة مغايرة في السياسة”.

هذه العبارة وإن كانت تعكس طبيعة التموجات التي شهدها المشهد الحزبي والسياسي الإسباني وهو يحاول الإنفلات من مصير الإنهيار الكلي للثنائية الحزبية كما شهدته فرنسا، فإنه فيما هو أبعد من ذلك يستفزنا لاسترجاع مسار الانتقال الديمقراطي في إسبانيا والذي سعى من جهة إلى تحديث الدولة وهي تتجه نحول المستقبل وادماجها في أوربا وتحقيق التنمية الاقتصادية، ومن جهة أخرى إغلاق التاريخ الأسود لإسبانيا متمثلا في الحرب الأهلية وتركتها التي قسمت البلاد في ظل أربعين سنة من حكم فرانكو.

 من زاوية النظر هاته يمكن القول أن الانتقال الديمقراطي شكل مصدرا لشرعية النظام السياسي الاسباني ولتحديث الدولة الاسبانية وللازدهار الذي تعرفه. لقد امتدت التجربة الاسبانية في الانتقال من سنة 1975 تاريخ وفاة فرانكو إلى سنة 1982 التي تحقق فيها التناوب السياسي بعد وصول الحزب الاشتراكي(PSOE)  بزعامة فليبي غونزاليس (1974-1997)إلى الحكم  على إثر فوزه بالانتخابات معلنا عودة الاشتراكيين إلى السلطة بعد غيابهم عنها منذ الجمهورية الاسبانية الثانية، مرورا بسنة 1978 التي اتسمت مفاوضاتها باعتدال جميع الأطراف وهو ما مكنها من التوافق على الدستور الذي أقر دولة الجهات وقطع مع مخلفات الحرب الأهلية ومرحلة فرانكو.

يقول دون طوركواتو فيرنانديث ميراندا رئيس الكورتيس ومربي الملك خوان كارلوس، إنه “سهل الأمر على تلميذه، الذي وضعت الأقدار في يده فرصة التصرف في مصير إسبانيا، بأن أفتى له بأنه إذا كانت مبادئ “الموفيمينتو” قانونا، فإن القانون يتم تغييره بقانون غيره” استوعب الملك هذه المقولة وأقبل على سن قوانين جديدة استنادا إلى شرعية القوانين التي أقامها فرانكو، فعملية الانتقال الديمقراطي بإسبانيا هي عملية سياسية متناقضة إلى حد ما، لأنه يوجد نوع من الفارق أو الاختلاف بين الشكل الذي تحققت به ومحتوى هذه العملية في حد ذاتها وذلك لأن الآليات المؤسسية التي غيرت الدولة الاسبانية احترمت من حيث الشكل أسس الشرعية التي قام عليها نظام فرانكو. ومع ذلك، إذا اعتمدنا الإصلاحات كمرجع، فإنه لا يمكننا الحديث عن تغيير النظام السياسي، بل عن تحول كلي في القواعد الأيديولوجية والهياكل التي تقوم عليها مؤسسات الدولة، لذلك من الضروري الانتباه إلى جوانب معينة من تلك العملية، خاصة ضرورتها، لأن النظام السياسي السابق لم يتكيف مع حاجيات مجتمع خضع لتغييرات عميقة، ولأن قادة ما بعد فرانكو، وبصفة خاصة الملك، كانوا بحاجة إلى شرعية ديمقراطية يفتقرون إليها، يضاف إلى  ذلك أنها كانت مطلبا مجتمعيا، فالاحتجاج الاجتماعي ضد نظام فرانكو كان قويا، إذ فشلت الآليات القمعية في السيطرة على مجتمع يتغير ويتطور، ثم أخيرا طابعها التفاوضي، لأنها كانت ثمرة نقاش جمع بين مختلف قوى النظام وقوى المعارضة الديمقراطية وتوج بالموافقة على النص الدستوري. 

التجربة الإسبانية تثبت أنه ليس بالضرورة أن تقوم عملية الانتقال نحو الديمقراطية وفق قواعد اللعبة الصفرية بمعنى الفائز يكسب كل شيء والخاسر يخرج خاوي الوفاض، بل وفق نموذج يحافظ على بنيات الدولة وضمان حق الجميع في التعبير عن الرأي وامتلاك نفس الحظوظ للوصول إلى السلطة.