story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

لا عبقرية في كرة القدم

ص ص

شاهدنا كيف أجهز نادي باري سان جيرمان بقيادة مدربه الإسباني لويس إنريكي على خصمه مانشستر سيتي ب”ريمونتادا” مثيرة أول أمس في إطار مباريات الدور الأول لكأس رابطة الأبطال الأوربية، وزاد في استغراب جمهور كرة القدم في العالم، عن سر هذا الإنهيار المفاجئ الذي يشهده فريق غوارديولا هذا الموسم، بعدما كان خلال المواسم الماضية قد بلغ درجة التقديس بسبب قوته وأسلوب لعبه، وصعوبة الصمود أمامه.

كانت نتائج السيتي وألقابه، والطريقة التي يهزم بها خصومه بحصص كبيرة، والإستعراض الكبير في أسلوب اللعب، قد بدأت تنشر أراءً مبجلة كثيرة في حق پيب غوارديولا، أبرزها ألقاب العبقري والفيلسوف ومبتكر كرة القدم الحديثة، وكانت هذه الآراء تلقى معارضة من طرف من يرونه مجرد مدرب صاحَبه الحظ في بداياته الأولى مع البارصا، وساعده على أن يصنع إسما بارزا بين أفضل المدربين الذين عرفهم التاريخ الكروي العالمي، وأن إبن كطالونيا لم يجرب بناء فريق “فقير” طوال مشواره، ولم يتعرض فيه لأزمة حادة في تشكيلة اللاعبين، ولم يتعود على العمل تحت الضغوط وإيجاد البدائل للخروج من الوضعيات الحرجة.. حتى جاءت أزمة السيتي هذا الموسم والتراجع الكبير في أدائه ونتائجه، وعجز غوارديولا عن إيقاف هذا التدهور، ليؤكد سلامة الرأي الأخير.

صحيح أن بيب غوارديولا شخص مجتهد ومثابر وطموح، وكان معروفا عنه في السنوات الأخيرة له كلاعب، أنه يُخضِع نفسه لتكوين عميق في التدريب، ويسافر كثيرا لمختلف بلدان العالم للقاء أبرز المدربين المخضرمين ليستلهم منهم أشياء يطور بها أفكاره التكتيكية المتيمة بأسلوب الكرة الشاملة التي تشبع بها على يد أستاذه ومعلمه الأسطورة الهولندي الراحل يوهان كريف، ولكن يجب ألا ننسى أن عالم كرة القدم ينجب العشرات من الأشخاص الطموحين والمجتهدين الحاملين للأفكار التقنية الثورية في خطط كرة القدم، ولكنهم يحترقون في بداياتهم الأولى في عالم التدريب بسبب أنهم لا يلقون نفس الحظ الذي لقيَه غوارديولا.

كان يمكن لجميع هؤلاء أن يكونوا الآن يوصفون بالعباقرة والفلاسفة، لو أنهم وجدوا من يثق فيهم عندما “قالوا بسم الله” في التدريب، وتم منحهم ناديا كبيرا مثل البارصا، يضم جيلا ذهبيا به لاعبون خارقون مثل ليونيل ميسي وأندريس إنييستا وتشافي هيرنانديز، يطبقون أفكارهم التكتيكية الثورية فوق الميدان، ويجدون الحلول الفردية عندما تستعصي الأمور الجماعية على الفريق، بمهاراتهم وإمكانياتهم الذاتية الهائلة، يعني أنه لو توفر لجميع الطموحين والمجتهدين في التدريب نفس حظ غوارديولا، لأصبحت ملاعب العالم مليئة ب”غوارديولات” في كل المنتخبات والأندية.

غوارديولا ليس بمستطاع أحد أن ينزع منه أنه واحد من أنجح المدربين في تاريخ كرة القدم العالمية، لكنه اليوم يعيش أزمة نتائج غير مسبوقة في مشواره التدريبي، وهو شيء عادي يقع لكل المدربين أثناء ممارستهم لمهنتهم، وقد  يتجاوز هذه الفترة بسلام ويعود السيتي إلى قوته وتوهجه بعد تدارك الخصاص في البدائل على مستوى كرسي الإحتياط الذي يفسّر به هذا التراجع، والقيام بالإنتدابات اللازمة.

لكن الدرس المستفاد مما يقع للمدرب الإسباني هذه الأيام، هو أن كرة القدم رياضة جماعية فيها الكثير من النّسبية، ولا مكان فيها لأوصاف “العبقري” و”الفيلسوف” ولا يمكن لفرد واحد في منظومتها أن يكون الصانع الوحيد لانتصاراتها، ونتائجُها تغيرها في رمشة عين العديد من التفاصيل الصغيرة التي لا تخضع لمنطق ولا لدراسة ولا استعداد، وتلعب فيها الصدف والحظوظ بعد العمل والإجتهاد دورا مفصليا في النجاح والتألق.