story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

غزة.. تحدي الاستمرار

ص ص

على الرغم من استمرار شعور الخوف من المستقبل القريب لأهالي غزة، وعلى الرغم من ضبابية الموقف وتوالي تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الداعية والملزِمَة للأردن ومصر من أجل استقبال المهجرين من غزة، فإن استشراف المستقبل يستوجب فتح قوس إعادة الإعمار وتقديم قراءة مستقبلية لوضع غير مسبوق، طال قطاع غزة بشكل خاص، ودولة الاحتلال والضفة الغربية بدرجة أقل.

في سياق تحليل الأرقام، نبدأ بتقديم خلاصات آثار هذه الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي. أشار تقرير للصحيفة الاقتصادية الإسرائيلية “كالكليست” إلى أن الوضع أكثر قتامة مما قدمته وزارة الاقتصاد الإسرائيلية. فقد بلغت الكلفة الإجمالية للحرب على غزة 67.6 مليار دولار مخلفة عجزا في ميزانية الدولة يصل 37.7 مليار دولار أي 7.3% من الناتج الداخلي الخام، وإغلاق 60 ألف شركة إسرائيلية، وإلى مصاعب مالية ل 65% من الإسرائيليين بلغت حد العيش تحت خط الفقر ل25% من الإسرائيليين، وتدهور لقطاع السياحة بما يعادل 70%، وقطاع البناء بخسارة يومية تناهز 644 مليون دولار وتوقف 50% من الأوراش نتيجة انحسار اليد العاملة. هذه المعطيات تكشف دون لبس الأثر العميق على بنية الاقتصاد الإسرائيلي مع ما سيحمله من تغير في البنية المجتمعية والمزاج العام لدولة الاحتلال.

في المقابل، عانى الفلسطينيون من ويلات الحرب المدمرة، وطال أيضا فلسطينيي الضفة الغربية. تشير معطيات وزارة الاقتصاد في رام الله إلى تراجع القدرة الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني في الضفة ب 30%، مع خسارة 306 ألف وظيفة بعد منع تراخيص العمل في الشريط الأخضر، وبلوغ نسبة البطالة 35% مقارنة ب 12.8% قبل بداية العدوان. ونالت الضفة نصيبها من عمليات الهدم (إحصائيات سبتمبر: 1725 وحدة تعرضت للهدم أو المصادرة) مع تعرض البنية التحتية تهم الطرق وخدمات المياه والصرف الصحي لخسائر تجاوزت 28 مليون دولار (الإحصائيات المذكورة لا تغطي الهجوم الأخير على مخيم جنين إثر اتاق وقف إطلاق النار بغزة).

في قطاع غزة المنكوب، تعدت عمليات القصف والاستهداف الممنهج للبنية التحتية والأحياء السكنية ومقومات الحياة مهما تناهت في بساطتها، حدود الخيال، وخلقت وضعا غير مسبوق لساكني القطاع. بلغة الأرقام، تشير بيانات القمر الصناعي كوبيرنيكوس سنتيل-1 إلى التالي:
• دمار أو تضرر 60% من المباني في غزة
• دمار أو تضرر 92% من المنازل
• دمار أو تضرر88% من المدارس
• تخريب أو تدمير 68% من الشوارع
• إتلاف أو تدمير 68% من الأراضي الزراعية
• 50% من المستشفيات تعمل جزئيا
• إجمالا، نسبة الدمار تصل إلى 74% في مدينة غزة، 50% في دير البلح، 55% خانيونس و48% في رفح.
• قتلت إسرائيل 46 ألفا و707 فلسطينيين، وأصابت 100 ألف و256 آخرين، مما أدى إلى خفض عدد سكان القطاع بنسبة 6% منذ بدء الحرب.
• تقلص مستوى اقتصاد القطاع إلى أقل من سدس المستوى الذي كان عليه سنة 2022، مع الإشارة إلى الصعوبات الكبيرة لاقتصاد القطاع تحت وطأة الحصار المفروض منذ 2007.

وإذا كان قدر قطاع غزة أن تتوالى عليه الحملات العسكرية، فإن مستوى العنف غير المسبوق والحصار المضروب من دولة الاحتلال والجوار المصري يجعل إعادة الإعمار تحديا يتجاوز إمكانيات القطاع. فقد قدرت الأمم المتحدة مدة إزالة 50 مليون طن من الركام تتعدى 21 عاما بكلفة 1.2مليار دولار، وأن الحرب الأخيرة على غزة أفقدت القطاع 69 سنة من التنمية. وزاد التقرير مؤشرا سلبيا حدد مدة إعادة بناء المنازل في أفق 2040، مع إمكانية استمرار البناء عقودا طويلة.

إن التحدي الأعظم لإعادة الإعمار لا ينحصر فقط في توفير التمويل اللازم، بل إن السيناريو الأقرب للواقع هو استمرار الوضع الكارثي، في ظل تراكم مجموعة من المعطيات. أولى المعطيات هو راديكالية الموقف الإسرائيلي من مسألة رفع الحصار المفروض على القطاع، وتماهي السلطات المصرية مع القرارات الإسرائيلية. ففي حال استمرار الوضع وفق معطيات ما قبل السابع من أكتوبر، فستصل مدة إعادة الإعمار 350 عاما. ولا تشير المعطيات لأي تراجع لحكومة الاحتلال عن مواقفها، بل تعززت راديكالية المجتمع الإسرائيلي وسيطرة التيارات الدينية المتطرفة على مفاصله، وانحسار حركات السلام وموت حل الدولتين. وتأتي دعوات التهجير الأمريكية متماشية مع الموقف الإسرائيلي، رغم الرفض المبدئي الذي عبرت عنه كل من الأردن ومصر. وفي سياق محاولات الوقوف ضد الضغط الإسرائيلي ودعم جهود إعادة الأعمار ومحاسبة إسرائيل على جرائمها، تشكلت مجموعة لاهاي من 9 دول (جنوب إفريقيا وماليزيا والسينغال وناميبا وكولومبيا وبوليفيا وكوبا والهندوراس وجزر بليز)، غير أن هذه النواة الأولى لا تملك الثقل الاقتصادي أو السياسي لفرض موقفها، وغابت عنها الدول العربية المجاورة والحلفاء الرئيسيون لسلطة حماس (تركيا وقطر).

كخلاصة لما سبق، القادم أصعب لقطاع غزة، وواقع الحال ينذر باستمرار الضغوط على أهالي القطاع بهدف إعدام إمكانية استمرار الحياة الطبيعية، وجعل التهجير ولو بشكل جزئي حلا يزيل هذه العقبة من أمام دولة الاحتلال. في مقابل ذلك، تبقى حنكة المقاومة وقدرتها على استثمار نتائج الطوفان داخليا، بتقويض اتفاقيات أسلو والإصرار على تحرير مروان البرغوثي والمراهنة عليه لاسترجاع حركة فتح من عرابيها الحاليين. وعلى الجبهة الخارجية، وعلى الرغم من تقويض خط المقاومة نتيجة للضربات القوية التي تعرض لها حزب الله وسقوط نظام بشار، وتراجع الدور الإيراني المأزوم داخليا، فإن المراهنة يجب أن تكون ذات بعد سني من خلال تركيا ونظام سوريا الجديد وقطر كوسيط مقبول لدى القوى العظمى. كل هذه التحديات تندرج وفق خط ناظم تؤطره فكرة البقاء والاستمرار.