story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

جسر الداخلة-أبو ظبي

ص ص

كما كان متوقعا، هيمن البعد الاقتصادي على جدول أعمال القمة المغربية الإماراتية التي جمعت أمس كلا من الملك محمد السادس والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويكاد الإعلان المشترك الصادر في ختام أشغال القمة، يكون الأكبر والأكثر دسامة من حيث الاتفاقات والمشاريع والبرامج التي تضمنها، في كل القمم التي كان المغرب طرفا فيها في العقدين الماضيين، ما يفضي إلى خمس ملاحظات أولية أساسية:
1) أول ملاحظة ينبغي للمتابع تسجيلها، هذا الطابع العميق والقوي للعلاقات المغربية الإماراتية. هذه القائمة الطويلة من المشاريع والاستثمارات تعني أن التحضير استغرق وقتا طويلا، امتد لشهور أو سنوات. أي أن هذا التحضير جرى ونضج في فترة كان الجميع يعتقد فيها أن الدولتين الشقيقتين قد باتتا على طرفي نقيض. والدرس هنا أن سلوك وتفكير وتخطيط الدول يختلف تماما عما يقوم به المجتمعات والأفراد، وهذا بصفة عامة، لكنه يصبح بأهمية أكبر في دولنا العربية، حيث الدولة العميقة هي في حقيقة الأمر أعمق من المتوسط العالمي؛
2) ثانيا، لنترك سياق ما أعلن ولننس للحظة أن الأمر يتعلق بزيارة خارجية رسمية وقمة ثنائية مع الإمارات العربية المتحدة، ولننظر إلى الإعلان المشترك من زاوية مغربية فقط. إننا أمام مخطط اقتصادي ضخم يسعى إلى طفرة نوعية ونهضة شاملة، يحتاج إلى تعبئة وطنية وتحسين للحكامة ورفع من قدرات الإنجاز… لكن أيا من هذه الأوراش الأخيرة لا يحضر ضمن أجندة صناع القرار الداخلي ولا في السياسات العمومية الحالية. كل تلك المشاريع الطموحة تحتاج إلى إنسان مغربي قادر على حملها وإنجاحها، وهو ما يتطلب سياسات مختلفة في التعليم والتكوين والصحة والترفيه…
3) ثالثا، هناك رؤية استراتيجية واضحة أحد عناوينها الرئيسة كسر القيود التي تفرضها الحدود السياسية والطبيعية للمغرب. تركيز متجدد على المنافذ الحيوية للمغرب على العالم، خاصة منها السواحل الشمالية والأطلسية الجنوبية، بدل الاقتصار على الواجهة الأطلسية الشمالية التي سجننا فيها الاستعمار وهي في الواقع تغلق علينا العالم بدل أن تفتحه، إلى جانب أنبوب الغاز الافرو-أوروبي والمطارات الكبرى المبرمجة من الدار البيضاء إلى الداخلة. هذا المغرب الذي تحاول هذه الرؤية إنتاجه من جديد، هو مغرب ما قبل التسلل والتغلغل الاستعماريبن؛
4) نحن أمام استئناف لعلاقات وطيدة أصلا بين البلدين، ويكفي أن نذكّر هنا بالبعد الأخوي الذي كان يطبع علاقات الراحلين الحسن الثاني والشيخ زايد، لدرجة أن هذا الأخير كان أول المتصلين بملك المغرب بعد المحاولة الانقلابية لقصر الصخيرات، عكس سلوك قادة الدول في مثل هذه اللحظات الذين يفضلون الانتظار إلى أن يتبين المنتصر من المغلوب، فيما كان الحسن الثاني يضع كامل الإرث الحضاري والتدبيري للدولة المغربية، رهن إشارة الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك الخبرة والمعرفة الأمنيين. نعم نحن أمام استئناف لهذه العلاقات بعد فترة غموض، لكننا أمام تحول أيضا، يتمثل في نقل هذه العلاقات من مستوى الود والمجاملات إلى مرتبة التخطيط والبرمجة والمشاريع الملموسة. نحن أمام مشروع استثماري طموح برهانات ربح متبادل ولا تشكل الهبات فيه سوى بندا هامشيا.
5) خامسا لابد من أن يكون لمثل هذه الخطوة ما بعدها. باستحضارنا طبيعة النظامين السياسيين في الدولتين، كملكيتين تنفيذيتين ومستقرتين، فإن نسبة النجاح المحتمل تظل أكبر من هامش الفشل الممكن. أي أن ما جرى الاتفاق عليه سيجد طريقه إلى التطبيق بنسبة كبيرة، ليبقى السؤال: ماذا سيترتب عن ذلك؟ وأولى عناصر الجواب هي فائدة مشتركة، في الجانب المغربي سيصبح بالإمكان تمويل مشروعات كبرى وحيوية موضوعة فوق الطاولة، كما ستصبح المملكة قادرة على جذب استثمارات خارجية أخرى (من الخليج العربي نفسه أو من غيره) بفعل المنافسة بين الدول ولأن المال يجذب المال، كما ستكون لهذه المشاريع انعكاسات إيجابية على مصالح المغرب الأخرى، في الصحراء وحماية الاستقرار… فيما تربح الإمارات دعم مغرب يستطيع تقديم الكثير بدوره، بدءا من الدعم والخبرة العسكريين والأمنيين، ووصولا إلى شبكة علاقات مالية وتجارية وروحية واسعة في القارة الأفريقية، ساحة التنافس الكبير بين القوى الدولية في المدى المنظور.
رحلة جديدة موعودة بين الداخلة المغربية وأبو ظبي… شدوا الأحزمة.