story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

جذور الأزمة السياسية الممتدة في العلاقات المغربية الفرنسية

ص ص

تعرف العلاقات المغربية الفرنسية منذ وصول إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه سنة 2017، حالة من الفتور، بسبب الأزمة غير المعلنة بين البلدين، التي تظهر تارة وتخفت تارة أخرى، هذه الأزمة تمتد جذورها إلى سنوات عديدة، غير أن حدتها اشتدت في الأيام الأخيرة عقب الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب مخلفا الآلاف من الضحايا بين قتلى ومصابين.

مباشرة بعد الهزة الأرضية التي ضربت مناطق متعددة من المغرب سارعت العديد من الدول ومن بينها فرنسا إلى إعلان تضامنها مع المغرب واستعدادها لإرسال مساعدات إنسانية للمملكة في هذه الظرفية الصعبة، غير أن المغرب لم يتفاعل بالطريقة التي كانت تتمناها باريس، بحيث اقتصرت السلطات المغربية على مساعدات أربع دول فقط وصفتها بالصديقة، هي المملكة المتحدة وإسبانيا والإمارات العربية المتحدة وقطر.

وأوضحت المملكة المغربية في بلاغ صدر عن وزارة الداخلية أنها استجابت لعروض الدعم التي قدمتها تلك الدول، والتي اقترحت تعبئة مجموعة من فرق البحث والإنقاذ، بعد أن أجرت تقييما دقيقا للاحتياجات في الميدان، آخذة بعين الاعتبار أن عدم التنسيق في مثل هذه الحالات سيؤدي إلى نتائج عكسية.

هذا الرد قض مضجع السلطات الفرنسية التي كانت ترى في زلزال المغرب فرصة للضغط على الرباط من أجل عودة العلاقات بين البلدين بما يخدم مصالحها، في حين رأى المغرب أن تنظيم المساعدات الدولية في مثل هذه الحالات يبقى مسألة سيادية.

ولممارسة المزيد من الضغط على المملكة، قامت فرنسا بحشد إعلامها وفئة من طبقتها السياسية لمهاجمة المغرب، قبل أن يخرج الرئيس إيمانويل ماكرون بعد أيام في فيديو مصور يخاطب فيه المغاربة مباشرة دون المرور عبر القنوات الرسمية في تجاوز للحكمة والأعراف الدبلوماسية، حسب توصيف محللين سياسيين مغاربة.

وقبل أن ينجلي غبار العاصفة التي خلفتها خرجة ماكرون، حتى أثارت وزيرته في الخارجية كاثرين كولونا، عاصفة أخرى، بعدما صرحت لإحدى القنوات التلفزيونية عن زيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب بعد دعوة تلقاها من الملك محمد السادس، غير أن الرباط سارعت إلى نفي هذه الزيارة عبر قصاصة لوكالة المغرب العربي للأنباء نقلا عن “مصدر حكومي رسمي”.

وأفاد المصدر الحكومي الرسمي أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للمغرب “ليست مدرجة في جدول الأعمال ولا مبرمجة”، معبرا عن استغرابه لكون وزيرة الخارجية الفرنسية اتخذت “هذه المبادرة أحادية الجانب ومنحت لنفسها حرية إصدار إعلان غير متشاور بشأنه بخصوص استحقاق ثنائي هام”.

وتمتد جذور الأزمة السياسية بين البلدين إلى ما يقارب العقد من الزمن، وبالضبط إلى سنة 2014، حينما حضرت عناصر الشرطة الفرنسية إلى مقر السفير المغربي في باريس، لإبلاغ المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف الحمومشي الذي كان حينها يشغل منصب مدير مراقبة التراب الوطني، باستدعاء صادر عن قاضي تحقيق، على خلفية شكويين قدمتا ضده في فرنسا، بتهمة التواطؤ في أعمال تعذيب.

هذا الأمر دفع المغرب إلى استدعاء السفير الفرنسي الذي تم إبلاغه “باحتجاج شديد اللهجة”، ما جعل وزارة الخارجية الفرنسية تعرب عن أسفها لوقوع هذا “الحادث المؤسف”.

بعد هذه الواقعة عادت مياه العلاقات المغربية الفرنسية إلى مجراها الطبيعي، لكن مع وصول الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون إلى كرسي الرئاسة في أعقاب الانتخابات الرئاسية الفرنسية سنة 2017، سرعان ما بدأت الأزمة بين الرباط وباريس تطل برأسها مرة أخرى، وكانت أولى إرهاصاتها اتهام السلطات الفرنسية لنظيرتها المغربية بالتجسس على الرئيس الفرنسي ماكرون وعدد من وزرائه باستعمال برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس، وهو ما نفاه المغرب جملة وتفصيلا، قبل أن تقدم فرنسا على تخفيض حصة التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة بنسبة 50 في المائة، وهو الأمر الذي كان له وقع سيئ على المغاربة، الذين طالب عدد منهم بمقاطعة فرنسا والمنتجات الفرنسية.

هذا الشرخ في العلاقات بين المغرب وفرنسا ازداد اتساعه مع مرور الوقت، واستعملت فيه ورقة الحقوق والحريات وتبادل الاتهامات بين الطرفين، خاصة حينما صادق البرلمان الأوروبي بأغلبية كبيرة، مطلع السنة الجارية، على نص غير ملزم يستهدف المغرب، داعيا إياه إلى احترام حرية الرأي والتعبير.

وكانت أبرز مظاهر هذه الأزمة بين البلدين، هي إنهاء المغرب لمهام سفيره في باريس محمد بنشعبون، بعد عدة أشهر من الفراغ الدبلوماسي على خلفية تعيين هذا الأخير مديرا عاما لـ “صندوق محمد السادس للاستثمار”.

ورغم الزيارة التي قامت بها كاثرين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية إلى المغرب أواخر سنة 2022، بهدف تجاوز القضايا الخلافية بين البلدين، إلا أن العلاقات بين الرباط وباريس لازالت في أدنى مستوياتها منذ ما يزيد عن سنتين.

وتخيم قضية الصحراء المغربية على ملف العلاقات الثنائية بين الرباط وباريس، بحيث أن فرنسا التي كانت إلى وقت قريب تعد الشريك التقليدي للمغرب، لا زالت تقف على نفس المسافة من كل الأطراف المعنية بملف الوحدة الترابية، ولم تقم بأية خطوة في تجاه دعم المغرب في ملف وحدة أراضيه، بالرغم من الإشارات التي ما فتئت الدبلوماسية المغربية توجهها إلى كل الدول الشريكة بخصوص القضية الوطنية، كان أبرزها الخطاب الملكي لـ 20 غشت 2022 الذي قال فيه الملك “إن قضية الصحراء هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.