story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

جدل في موريتاني حول قانون لحماية المرأة من العنف والرئيس يتدخل لضمان احترام الشريعة

ص ص

مثلت القوانين المرتبطة بالمرأة ساحة للتدافع بين الإسلاميين المحافظين واليساريين الحداثيين في المغرب، عرفت أوجها قبل عشرين سنة عندما خرج كل فريق منهم في مظاهرات حاشدة، بين المدافعين عن الشريعة مصدرا وحيدا للتشريع والمطالبين بملاءمة القوانين المحلية مع التشريعات الدولية، نفس هذا الجدل وبنفس الحدة، تعيشه الجارة الجنوبية موريتانيا، بمناسبة النقاش حول مسودة مشروع قانون يجرم العنف ضد النساء، سمي “مشروع قانون الكرامة”، ما استدعى تدخل الرئيس.

وبدأ الجدل في موريتانيا قبل أسبوع، عندما نظمت وزارة العدل في موريتانيا، ورشة حول مسودة مشروع قانون محاربة العنف ضد المرأة والفتاة، وعرضت مسودته على المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، الذي درسها قبل أن يقترح إلغاء بعض موادها.

المجلس الذي يضم رجال الدين الرسميين، قال رئيسه إسلم ولد سيد المصطفى، أن مسودة مشروع القانون تلبي “كافة المقاصد والمطالب التي تطمح لها كل الجهات للرفع من مستوى تكريم المرأة وإنصافها وتحسين موقعها القانوني والاجتماعي ولا تجود فيه بطبيعة الحال مخالفات شرعية”ن وهو الرأي الذي أسنده موقف وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، ووزير العدل بالوكالة، الداه ولد سيدي ولد أعمر طالب، بالدفاع عن المسودة بالتأكيد على أن الضرورة تستدعي اعتماد قانون يتعلق حصرا بمحاربة العنف ضد المرأة، خصوصا في ظل انتشار وتعدد أشكال العنف وخطورة استفحالها.

تفاصيل المشروع

مشروع القانون محط الجدل يأتي بحسب المسودة “إيمانا بقيم الإسلام ومقاصده التي جاءت لتحمي قدسية الأسرة وتصون كرامة المرأة و الفتاة، واستلهاما للمبادئ الدستورية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.. يهدف هذا القانون إلى الوقاية من العنف ضد المرأة والفتاة، ووضع الإجراءت القانونية الكفيلة بحماية الضحايا وتعويضهن عن الضرر ومعاقبة الجناة”.

ويتضمن مشروع القانون 54 مادة تجرم كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات، وأنواع التحرش “في الفضاء العمومي أو غيره بأفعال وأقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية واضحة أو لأغراض جنسية واضحة بواسطة رسائل مكتوبة”، بحسب المادة 26.

وتقترح المادة ذاتها بهذا الخصوص، عقوبة “بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة عشرة آلاف أوقية إلى عشرين ألف أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين دون المساس بالتعويض للضحية عن الأضرار”.

علماء يعارضون

إلى جانب قوى سياسية من أبرزها الإسلاميون، عارض علماء موريتانيا بشدة “قانون الكرامة”، ووجه المئات منهم، يقودهم الشيخ واسع التأثير الحسن ولد الددو، رسالة إلى الرئيس محمد ولد الغزواني للمطالبة بعدم تقديم المشروع.

ويستند علماء موريتانيا في معارضتهم لوجود قانون يحمي النساء من العنف، إلى كون الشريعة الاسلامية والمنظومة القانونية المستندة إليها، كفيلة بحماية كل أحد، ورفع الظلم عن كل مظلوم، وإيصال الحق لكل صاحب حق.

ووصفت الرسالة مسودة مشروع القانون محط الجدل، بأنها “تعتبر المرأة كائنا غريبا مطاردا يعاديه الجميع ويكيد له، ويحتقره ويتعامل معه كما يعامل المجنون أو حتى البهيمة له حقوق وليس عليه واجبات، ويزرع جوا هائلا من العداء بين المرأة والرجل وبينهما وبين المجتمع”.

وشددت الرسالة على أن في إقرار مشروع القانون “تفكيكا للأسر، وإطلاقا لأيدي السفهاء والسفيهات للعبث بالمجتمع وتحيله إلى كتل متقاتلة متناحرة”، مؤكدا أنه تضمن “مواد كثيرة محالفة للشريعة ومنافية للأعراف والتقاليد الخلقية للمجتمع”.

لم يقف العلماء في موريتانيا عند هذا الحد، بل أطلقوا نداء للمشاركة في احتجاجات واسعة ضد هذه المبادرة التشريعية الحكومية، شارك فيها الآلاف مؤخرا في العاصمة نواكشوط، من الرجال والنساء.

في المقابل، فإن صوت الحداثيين في موريتانيا يبقى خافتا بالمقارنة مع وضعية العلماء ورجال الدين وقدرتهم على التأثير في المجتمع وفي المؤسسة التشريعية وحتى على الحكومة.

تحكيم رئاسي 

وسط تصاعد الخلافات بين المؤيدين والمعارضين، تدخل الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني أمس الأربعاء للتحكيم، لطمأنة المتخوفين على الشريعة.

وقال وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الداه سيدي أعمر طالب إن الرئيس محمد ولد الغزواني أعطى تعليماته للحكومة بعدم إجازة أي مشروع قانون يضم مخالفة للشريعة المحمدية.

وأضاف ولد أعمر طالب خلال مؤتمر صحفي مساء أمس عقب اجتماع الحكومة أن ولد الغزواني جدد التأكيد على عدم إجازة الحكومة لأي مشروع قانون ما دام يخالف الشريعة ولو بكلمة واحدة، مؤكدا على أن هذا التوجيه عام، سواء فيما يخص القانون محل النقاش الآن، أو أي مشروع لقانون آخر.

قانون يعرض للمرة الثالثة 

وعرفت الأسابيع الأخيرة رفضا واسعا لمسودة قانون حمل اسم قانون مكافحة العنف ضد النساء والفتيات “كرامة”، ووصف بأنه نسخة مطورة من “قانون النوع” الذي سبق وحاولت الحكومة إحالته على البرلمان مرات عديدة، وكان محل رفض واسع، سياسي، وعلمي، وشعبي، وهو ما دفع الحكومة حينها لسحبه.

بدأت محاولات الحكومة الموريتانية في تقديم نص قانوني خاص بالنساء لحمايتهن من العنف سنة 2017، وقدمته للبرلمان، حيث واجه رفضا برلمانيا وشعبيا واسعا، وخصوصا داخل اللجنة البرلمانية التي تولت دراسته تحضيرا لعرضه في جلسة علنية، وهو ما دفع الحكومة حينها لسحبه.

وفي العام 2018، أعادت الحكومة الكرة مرة أخرى، وواجه مشروع القانون نفس الممانعة والرفض الشعبي والبرلماني، لتقرر الحكومة مرة أخرى سحبه بسبب ما أثاره من جدل داخل البرلمان، وكذا خارجه بحجة مخالفة بعض مضامينه لنصوص الشريعة الإسلامية.

وعادت الحكومة في ماي 2020 لتصادق خلال اجتماع استثنائي على مشروع جديد للقانون، غير أنها لم تحله إلى البرلمان، فيما بدأ قبل أسبوع نقاش حول مسودة “قانون الكرامة” بمبادرة من وزارة العدل، قبل عرضه على المجلس الحكومي.

ضغط دولي لتجريم العنف ضد النسا في موريتانيا 

وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قد وجهت رسالة إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني بعد وصوله لسدة الحكم، لمطالبته بإعطاء الأولوية لحقوق المرأة خلال ولايته، وتخاذ خطوات للحد من تزايد حالات العنف المبني على النوع الاجتماعي وضمان وصول الضحايا إلى العدالة.

وطالبت المنظمة ولد الغزواني بتحديد موقف جديد لرئاسته عبر عدم التسامح إطلاقا مع العنف المبني على النوع الاجتماعي، وحماية نساء موريتانيا من الاغتصاب وأشكال أخرى من العنف، وذلك بالضغط على البرلمان لإقرار مشروع قانون  حول العنف المبني على النوع الاجتماعي، وضمان أن يكون تعريف القانون للاغتصاب أوسع من التعريف في مشروع القانون الحالي، وأن يجرم جميع أشكال العنف الجنسي الأخرى.

هيومن رايتس ووتش كانت قد كشفت نتائج بحث  ميداني موسع أجرته بين سنتي 2018 و2019، تشير إلى أن غياب القوانين القوية ضد العنف المبني على النوع الاجتماعي وغياب المؤسسات التي تقدم العون للضحايا، بالإضافة إلى الضغط الاجتماعي والوصم، يمنع النساء والفتيات من طلب المساعدة والانتصاف عند تعرضهن للانتهاكات، وأن السلطان في موريتانيا لا تقدم إلى الضحايا ما يكفي من خدمات الرعاية الصحية والطب النفسي والدعم القانوني، ما يدفع المنظمات غير الحكومية إلى سد فجوة الحماية قدر المستطاع بإمكانات محدودة.