story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

تجميد الإضراب

ص ص

بدأت أزمة الاحتقان الذي تعيشه المدرسة العمومية منذ شهرين في الانفراج التدريجي. الحكومة قدمت في اجتماع أمس ما يبرهن على جدية ما وعدت به يوم الاثنين الماضي: تجميد إداري للنظام الأساسي المرفوض وفتح لباب الحوار حول الزيادة في الأجور. وفي الخلفية أصوات متزايدة بين الأساتذة تدعو إلى التهدئة ووقف الاضراب بشكل مؤقت. خطوات منطقية: تجميد مقابل تجميد، والحسم قبل 15 يناير المقبل.

التفاوض بطبيعته أخذ ورد، خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الخلف لالتقاط الأنفاس والحفاظ على مسافة تسمح بالتقدم مجددا. ومن خرجوا للاحتجاج منذ بداية أكتوبر ليسوا ثوارا ولا فوضويين، هم فئة من الموظفين نالهم من الحيف ما استنفذ صبرهم، فخرجوا غاضبين.

ما حصل ملحمة احتجاجية حقيقية، دون مبالغة ولا تزلف لكتلة كبيرة ومنظمة. قلتها قبل خطوة الحكومة القاضية بتجميد النظام الأساسي: الأساتذة قدموا درسا سيحفظه لهم التاريخ. قدموا دليلا على استمرار الحياة في عروق المجتمع، وعلى قدرة هذا الأخير على الفعل والمبادرة. عشنا تجربة جميلة في السلوك المدني لمواطن الدولة الحديثة، الذي نسعى إلى بنائه. ذلك المواطن الذي ينتزع حقوقه بالاحتجاج السلمي والمنظم.

ما جرى حتى الان فيه مكاسب كبيرة للجميع. فيه مكسب كبير في جهة المجتمع واخر في جهة الدولة. في ضفتنا كمجتمع، ربحنا تجربة ناجحة في المبادرة إلى التغيير واستعمال الحقوق الدستورية من إضراب وتظاهر وتعبير واقعي وآخر افتراضي. والسياق الراهن يجعل هذا المكسب ثمينا وغاليا، لأننا كدنا نفقد الثقة في قدرة المجتمع على الحراك مجددا بعد كل الضربات التي وجهت إلى قواه وهيئاته.

أما في جانب الدولة، فالمكسب لا يقل قيمة ولا أهمية. حذار ثم حذار من عدم التقاط الإشارة. الدولة التي عودتنا منذ عشر سنوات تقريبا على سياسة للي دوا يرعف، والدولة التي أشهرت في وجوهنا هراوتها الغليظة، هي نفسها التي جاءتنا اليوم بسلوك تفاوضي لا يمكننا أن نبخسه أو نقلل منه لأننا نحمل تراكمات سلبية وعجزا كبيرا في الثقة (العجز بمعناه الاقتصادي). من لا يحمل الأمل لا رجاء فيه هو نفسه، وكل ما نحمله كمغاربة مؤمنين بمغرب متقدم وقوي ومستقر، هو أمل في إدخال دولتنا عصر الديمقراطية والتدبير المستند إلى شرعية الواقع والانصات للمجتمع.

حتى هذا اليوم، الجمعة الفاتح من دجنبر 2023، نحن في منطق الربح الجماعي. حتى التلاميذ الذين قضوا كل هذه الأسابيع خارج الأقسام، سيكونون من الرابحين إن نحن خرجنا من الأزمة بما يسمح بتطوير المدرسة وتجويد التعليم، وعلى رأس ذلك أستاذ وأستاذة يتمتعان بحظ من الكرامة والتقدير.

في المقابل، كل محاولة للمناورة أو المراوغة من جانب الحكومة، بالالتفاف على المطالب أو التراجع عن الوعود، وكل محاولة لإطالة أمد الإضراب والاحتقان في ظل مؤشرات إيجابية حتى الان؛ لن يؤدي سوى إلى دخولنا نفق الخسارة، والتي لن تكون بدورها إلا جماعية.