story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

الفساد بكل شفافية

ص ص

أعلنت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة يوم أمس الثلاثاء 28 يناير 2025، تجميد عضويتها في اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد، بعد مرور تسعة أشهر على وفاة كاتبها العام السابق، عبد العزيز النويضي، والذي كان يشغل منصب عضو في هذه اللجنة.

قرار تأخر في واقع الأمر، ليس لأنني كنت أريده أن يصدر في وقت سابق، بل لأنه كان مبرمجا أصلا، وكان الراحل النويضي يواجه ضغوطا كبيرة منذ فترة من طرف بعض الحقوقيين والمناهضين للفساد، وقد حدّثني شخصيا عن ذلك، وظل إلى آخر دقائق حياته، مؤمنا بإمكانية الاشتغال من داخل المؤسسات وإلى جانب السلطات.

في حوارنا معه، الذي لم يكتب له أن يكتمل بعدما فاجأ الأجل ضيفنا الراحل وهو بصدد الجواب عن أسئلة الحرية ومحاربة الفساد، بدا عبد العزيز النويضي مصرّا على التمسّك بآخر خيوط الأمل في حمل الحكومة الحالية على الاستجابة لمطالب تحجيم الفساد، وقال إن الوضع السياسي في المغرب يتسم بالصعوبة وكثرة مراكز القرار، لكن الحكومة الحالية، في رأيه تتسم بقدر من الانسجام لكونها مشكلة من ثلاثة أحزاب فقط، دون تناقضات أيديولوجية أو سياسية عميقة بينها.

وفي معرض حديثه عن اللجنة التي يقودها رئيس الحكومة، قال النويضي إنها تعاني من تجميد أشغالها، حيث “كان يفترض أن تجتمع مرتين في السنة، لكنها اجتمعت مرتين في خمس سنوات، وعندما عينت كتبت لرئيس الحكومة لجمعها، ولم يجب، ومؤخرا، في اجتماع مجلسنا الوطني، جددنا دعوته للرد، وسنعقد مجلسنا الوطني لاتخاذ قرار إما بالانسحاب أو البقاء”.

الكاتب العام السابق للجمعية قال إنه استشار زملاءه “وطلبوا إعطاء فرصة لأنه ربما هناك إعادة هيكلة، لكن يظهر أنه ليست هناك إرادة، واجتماع مجلسنا الوطني سيقرر خلال أقل من شهر”. هكذا كان القدر أسرع من ذلك الشهر الذي كان مقررا، وتوفي النويضي، وارتأى زملاؤه الانتظار شهورا إضافية، قبل أن ينتهي بهم الأمر إلى تجميد عضويتهم في اللجنة.

الحقيقة أن الحكومة لم تقصّر من جانبها، ومنحت جمعية محاربي الفساد مزيدا من الأسباب لمثل هكذا قرار، علما أن الأسباب ليست هي ما كان ينقص المراقبين.

فنحن أمام حكومة جاء رئيسها، وما زال، محمولا فوق أسراب من الذباب الإلكتروني التي تهاجم كل منشور أو تعليق يتضمن اسمه، وبعدما ثبت في حقه التواطؤ والمشاركة في الاحتكار والاتفاق حول أسعار المحروقات، وتقررت ضده العقوبات، جرى تفجير مجلس المنافسة من الداخل لتأمين صعوده نحو أعلى منصب تنفيذي في الدولة بعد منصب الملك.

نحن في عهد حكومة أول ما قامت به هو سحب وتجميد الأوراش التشريعية التي كانت ترمي إلى تجريم الإثراء غير المشروع، ووضع حواجز إضافية في طريق الفاسدين… إلى أن ابتلينا بمشاريع قوانين تحرّم وتجرّم التبليغ عن الفساد، وتكمّم أفواه المحتجين عليه والرافضين لظهوره السافر والفاجر.

نحن في عهد حكومة شارك رئيسها في استنزاف مياه المغرب، السطحية والجوفية، وفرض سياسات فلاحية تصديرية أجهزت على فرشات مائية كاملة، ثم عندما تولى منصب المسؤولية العامة على الحكومة، فصّل مشروع صفقة تحلية المياه لأكبر مدن وجهات المملكة، الدار البيضاء، على مقاس شركاته، ونال الصفقة، واتجه بها نحو ضرع الدعم من المال العام، ووقف متباهيا بها فوق منصة البرلمان، واختار أن ينسينا في فضيحته هذه بصفقة أخرى، تقطر بالملايير، لتوريد المحروقات لمكتب الكهرباء.

نحن في عهد حكومة تحوّلت جلّ قطاعاتها إلى إقطاعات، لوزرائها كامل الحرية في التصرّف في خيراتها، وحصد صفقاتها، وتوزيع مناصبها. وحتى البرلمان الذي نرجو بركته في مراقبتها ومساءلتها، يبعث أكثر من عُشر أعضائه إلى السجون وأقفاص الاتهام ومجالس التحقيق.

نحن في عهد حكومة تواجه تقارير المؤسسات الدستورية المكلفة بمحاربة الفساد بالتقريع والتنطّع والقصف من منصات الندوات الصحافية التي لا يحضرها الصحافيون. بل يتعرّض رؤساء هذه المؤسسات، كما هو الحال مع محمد البشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، للاستهداف الشخصي المباشر، وتُبعث إليهم فرق المراجعة الضريبية، كما أخبرتنا بذلك المعارضة ولم تنف الأغلبية.

لكل هذه الأسباب يعتبر قرار جمعية ترنسبرنسي المغرب متأخرا، وتحصيل حاصل، وسحبا للغربال من وجه الشمس الحارقة.

ألا يُترجم اسم الجمعية في اللغة العربية إلى “جمعية الشفافية”؟ وهل هناك شفافية في الفساد أكثر من الستريبتيز الذي تقوم به هذه الحكومة؟

لنتابع.. ولنستمتع!