“أين الجثة؟”.. صرخة أم تبحث عن جثمان ابنها التهامي بناني منذ 19 سنة
بعد مسيرة بحث دامت زهاء عقدين من الزمن، لاتزال حياة العلمي تواصل بحثها المضنى عن جثة ابنها التهامي بناني الذي اختفى ذات يوم من أبريل سنة 2007، قبل أن يتم العثور عليه بعد أيام، جثة هامدة، من طرف عناصر الدرك الملكي بمنطقة سيدي رحال نواحي مدينة الدار البيضاء. لتختفي بعدها الجثة من جديد وتتواصل محنة الأم، منذ ذلك الوقت بحثا عن رفات ابنها علّه يخفف عنها لوعة الفراق.
ولم تفوت الأم حياة العلمي أية فرصة لطرح السؤال المعلق منذ سنوات، “أين جثة ابني؟”، كما كان الحال خلال ندوة صحافية عقدتها “اللجنة الوطنية من أجل الحقيقة والعدالة للشاب التهامي بناني وعائلته”، يوم الثلاثاء 30 دجنبر 2025 بالرباط، من أجل تسليط الضوء على تفاصيل هذا الملف المعقد، الذي لم يحسم القضاء بعد في أدق تفاصيله وأكثرها غموضا.
اختفاء وثائق حاسمة
واصلت حياة العلمي، والدة الشاب التهامي بناني، خلال ندوة اليوم، كشف معطيات وصفتها بـ«المثيرة والخطيرة» حول ما اعتبرته اختلالات جسيمة شابت مسار التحقيق في وفاة ابنها، مؤكدة أن الوصول إلى الحقيقة كان ممكناً «لو سلك التحقيق طريقه الصحيح منذ البداية».
وأبرزت العلمي أن السؤال المركزي الذي ظل دون جواب إلى اليوم هو: «أين كان التهامي منذ الساعة الخامسة والنصف مساء يوم اختفائه، إلى حين العثور على جثته؟».
واعتبرت أن الإجابة عن هذا السؤال كانت ستكون بسيطة لو أُنجزت خبرة تقنية دقيقة على هواتف المتهمين الذين كان برفقتهم، مع تحديد تموقعاتهم الجغرافية، مشيرة إلى أن هاتف ابنها اختفى بشكل غامض، رغم أن التقنيات الحديثة تتيح معرفة آخر من استعمل الهاتف أو تعامل معه.
وأضافت والدة الضحية أن المساطر القانونية والخبرات التقنية المطلوبة أُنجزت فعلا في المراحل الأولى من القضية، غير أن تلك الوثائق والخبرات اختفت لاحقا من الملف دون أي أثر.
وقالت في هذا السياق: «تمكنت بوسائلي الخاصة من الحصول على بعض هذه الوثائق المختفية، وسأدلي بها أمام المحكمة، لأنها تؤكد وقوع جريمة قتل وتثبت تورط أشخاص بعينهم».
وانتقدت حياة العلمي تبرير غياب الخبرة الجينية (ADN) بكون الجثة سُجلت في البداية تحت صفة «مجهول الهوية»، معتبرة ذلك تماطلا غير مبرر، خاصة وأن العائلة، منذ الساعات الأولى لاختفاء التهامي، وضعت بلاغا رسميا لدى الجهات المختصة يتضمن اسمه الكامل وصوره وجميع معطياته الشخصية.
من المستفيد؟
من جانبه، اعتبر عبد الإله بن عبد السلام، عضو “اللجنة الوطنية من أجل الحقيقة والعدالة للشاب التهامي بناني وعائلته”، أن قضية التهامي بناني تحولت إلى اختبار حقيقي لمدى احترام مبدأ سيادة القانون ولمواجهة ما وصفه بـ«خطر الإفلات من العقاب».
وأوضح بن عبد السلام، خلال ذات الندوة، أن الجثة كانت في حيازة مصالح الدرك قبل نقلها إلى المستشفى، ثم اختفت بشكل نهائي منذ سنة 2007، متسائلاً: «من أصدر الأمر؟ ومن نفذه؟ ومن تستر؟ ومن المسؤول عن إخفاء الأدلة الجنائية والوثائق من الملف الأصلي؟»، مشدداً على ضرورة فتح تحقيق شفاف وشامل لا يستثني أي طرف، بعيدا عن أي حصانة غير قانونية.
وكشف المتحدث عن معطيات وصفها بالصادمة تتعلق بتقرير الطب الشرعي، مشيرا إلى خروقات خطيرة مست الأدلة الجنائية، من بينها تصريح طبيبة شرعية بقيامها بـ«غسل ملابس الضحية»، في خرق صارخ لأبسط قواعد الحفاظ على الآثار الجرمية.
كما أشار إلى تداول معطيات تفيد بتسليم جثة «خالـية من الأعضاء الحيوية»، مثل القلب والكبد والكليتين والرئتين، إلى المقبرة، ما يثير تساؤلات جدية حول أسباب ذلك، واحتمال العبث بالجثة لإخفاء آثار اعتداءات أخرى.
وأضاف بن عبد السلام أن السلطات سبق أن أحالت العائلة على قبر قيل إنه يعود للتهامي بناني، قبل أن تكشف الخبرة الجينية لاحقا أن القبر يعود لامرأة، وهو ما زاد من تعقيد القضية.
وفي غضون ذلك، أكد عضو لجنة الحقيقة والعدالة، أن الملف كان مهددا بالحفظ في بداياته، لولا تدخل «جهة قوية على مستوى قطاع العدل»، مشيرا إلى أن القضية تعرضت لعملية «تعويم ممنهجة» استمرت لسنوات، تخللتها، بحسب قوله، ضغوط على العائلة وهيئة الدفاع، وتهديدات لشهود، في ظل معطيات تتحدث عن «حماية أبناء مسؤولين كبار» من المساءلة، والاكتفاء بـ«الحد الأدنى من الحقيقة».
تأجيل القضية لتجهيز الملف
في هذا الإطار، أوضح المحامي علي زيان، دفاع الطرف المدني، أن الجلسة الأخيرة التي انعقدت بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء شهدت تقديم دفوعات شكلية من طرف دفاع المطالب بالحق المدني.
وبيّن زيان، في مداخلته خلال الندوة الصحافية، أن التعديلات الجديدة التي طالت قانون المسطرة الجنائية فرضت مسارا إجرائيا مختلفا، حيث قررت المحكمة إحالة الملف على قاض مقرر قصد تجهيزه بشكل كامل، وهو ما ترتب عنه تحديد جلسة 6 يناير المقبل لمواصلة النظر في القضية.
يُذكر أن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء كانت قد أدانت في وقت سابق متهمين اثنين في قضية وفاة الشاب التهامي بناني بعشرين سنة سجنا نافذا لكل واحد منهما، بتهمة القتل العمد، دون أن تجيب عن السؤال الذي ظل عالقا منذ نحو 19 سنة: أين جثة التهامي بناني، وأين يوجد قبره؟